أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية بعنوان: “الحروب الأهلية في المجتمع اليهودي بين التاريخ والآفاق المستقبلية”، وهي من إعداد الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي، الخبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية. وقد عمل الباحث على رصد التنازع والصراع الداخلي في المجتمع اليهودي عبر التاريخ اليهودي ليدلِّل على أن “إسرائيل” ليست خارج النمط العالمي في الصراعات الداخلية، وقام بتوظيف ما استنتجه في طرح فرضيات مستقبلية حول الصراع الداخلي في المجتمع الإسرائيلي المعاصر. وقد أشار الباحث إلى أن المجتمع الإسرائيلي ليس محصَّناً من الصراع الداخلي وصولاً للحرب الأهلية، ودلَّل على ذلك من خلال العديد من الدراسات العبرية التي تحدثت عن تزايد هذا الاحتمال، وخصوصاً مع الحكومة الجديدة بقيادة بنيامين نتنياهو والقوى الدينية المساندة له، ومن خلال توالي التحذيرات التي أطلقها في الفترة من أول آذار/ مارس 2023 قادة عسكريون وسياسيون ومفكرون إسرائيليون من الحرب الأهلية، والتي كان البروفيسور ديفيد باسيج قد حذّر من احتمالاتها في سنة 2021. كما استدلَّ الباحث باستطلاعات الرأي التي أشارت إلى أن 35% من الإسرائيليين يعتقدون باحتمال نشوب حرب أهلية، بينما يرى 60% أن احتمالات وقوع أيّ أعمال عنف بين اليهود هو أمر ممكن. وخلصت الدراسة إلى ثلاث احتمالاتٍ هي الأكثر قوة في المشهد الإسرائيلي القادم في المدى الزمني القريب، وتوقّعت إما أن يتم امتصاص الاحتقان الداخلي بعمل عسكري خارجي، أو أن يتم الذهاب لانتخابات جديدة تُعيد التوازنات بين القوى السياسية بهدف العودة للاستقرار. وإلا، فإن احتمالات ظهور مؤشرات أولية على اللجوء للعنف الداخلي من قبل شرائح يهودية، خصوصاً ذات التوجهات الدينية المتطرفة، هو ما قد يكون قابلاً للتوسع. وأشار د. وليد عبد الحي أن احتمالية امتصاص الاحتقان الداخلي بعمل عسكري خارجي تتصاعد مع ازدياد حدَّة الاحتقان الداخلي، كما رأى أن احتمالية السيناريو الثاني ترتفع في حال تفاقمت الخلافات داخل الحكومة القائمة، ما يرجِّح عندها أن يتم الذهاب لانتخابات جديدة. وقد عرضت الورقة آليات عمل الصراع الداخلي في النسق الاجتماعي، وظهر طبقاً للتاريخ اليهودي بشكل خاص، والتاريخ العالمي بشكل عام، أن هناك علاقة عكسية بين حدّة الصراع الخارجي وبين مستوى وتكرار الصراع الداخلي، فإذا كان الخطر العربي توارى بنسبة مهمة في الذهن الإسرائيلي، فإن تضخيم وتكرار التركيز على الخطر الإيراني وتنظيمات المقاومة يمكن أن يشكّل آلية ناجحة لامتصاص الاحتقان الداخلي. وقد يتمّ رفد هذه الصورة بالعودة مجدداً لتعزيز مقولات مناهضة السامية لتكريس صورة البيئة الدولية المعادية، وبالتالي تعزيز التضامن الداخلي. وأوصت الورقة صُنّاع القرار وقوى المقاومة للتخطيط على أساس الاستعداد لتداعيات كلٍّ من هذه الاحتمالات الثلاث.
|