مركز الزيتونة يعقد حلقة نقاش حول غاز شرق المتوسط وتأثيره على المشهد الجيوستراتيجي في المنطقة
عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات حلقة نقاش، بعنوان “غاز شرق المتوسط وتأثيره على المشهد الجيوستراتيجي في المنطقة”، ذلك يوم الثلاثاء 13 كانون الأول / ديسمبر 2022. وشارك في الحلقة نخبة مختارة من الخبراء والمختصين في شؤون السياسة والاقتصاد والطاقة، لمناقشة تأثير استثمار الغاز على المشهد الجيوستراتيجي في منطقة شرق المتوسط، والتداعيات المرتقبة لذلك على المستوى الدولي والإقليمي وعلى العلاقات البينية بين دول المنطقة.
أدار حلقة النقاش، مدير مركز الزيتونة الأستاذ الدكتور محسن محمد صالح، حيث رحَّب بالحضور، وأشار إلى أن هدف حلقة النقاش هو بناء رؤية حول مستقبل غاز شرق المتوسط ومدى تأثيره على المشهد الجيوسياسي في المنطقة، خاصةً أن طرح هذا الموضوع يأتي في ظل التداخل في الأطر السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والقانونية، كما وأن له تشابكات إقليمية ودولية، وهو من الموضوعات التي لا يمكن أن تُقرأ في إطار زاوية واحدة، بل في إطار شامل يراعي المصالح العليا لأمتنا العربية والإسلامية.وفي مداخلة الدكتور عبد الحليم فضل الله، الباحث في الشأن الاقتصادي ومدير المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، أكد أن اكتشاف الغاز في منطقة شرق المتوسط زاد من القيمة الاستراتيجية للمنطقة، خاصةً بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، وازدياد حاجة الأوروبيين للغاز لتعويض الغاز الروسي. وأشار إلى أن التقديرات التي تتحدث عن مخزون الغاز في شرق المتوسط تشير إلى أن لبنان يملك نحو 1,000 مليار متر مكعب. وأضاف أن غاز شرق المتوسط يمكن أن يغطي نحو 60% إلى 65% من استيراد الغاز الروسي المصدر إلى أوروبا. وأوضح فضل الله أن هناك فرضية تقول أن الصراع على الطاقة سيستمر على مدى سنوات مقبلة. ومن هنا اكتسب ملف الغاز في المنطقة أهمية اسراتيجية كبيرة بالنسبة لأوروبا وأمريكا. وأشار إلى أن لدى لبنان إمكانات واعدة بالنسبة لاستخراج الغاز، لكن في المقابل هناك عقبات وعوائق في ما يتعلق بتسويق وتصدير الغاز إلى أوروبا، حيث يرفض لبنان الانخراط في إطار “منتدى غاز شرق المتوسط” بسبب عضوية “إسرائيل”، ولديه مشكلة العقوبات الأمريكية على سورية (قانون قيصر)، في حال اتجه لتصير الغاز عبر سورية إلى الأردن والعراق وإيران، ولديه مشكلة أيضاً تتعلق في مدى حجم وإقبال الاستثمار العربي والأجنبي في السوق اللبنانية، في حال أراد إنشاء محطات لتسييل الغاز في لبنان.
وأكد فضل الله أهمية استهلاك الغاز في السوق اللبنانية المحلية؛ حيث سيسد حاجة لبنان من الطاقة وسيمنع استنزاف لبنان للعملات الصعبة، في ظل أزمته الاقصادية المتفاقمة. وأشار إلى أن اتفاق الغاز سوف يمنع “إسرائيل” من الإقدام مستقبلاً على ضرب البنى التحتية في لبنان، بسبب إمكانية رد المقاومة باستهداف حقول الغاز الإسرائيلية. ورأى أن المقاومة كان لها دور مهم في إتمام اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وأن الاتفاق راعي المصالح اللبنانية بدون تنازلات. وأكد أن الغاز عامل مهم ولكنه ليس العامل الوحيد من جهة الاستقرار والانفجار في المنطقة.
وتحدث أ.د. محمد إبراهيم مقداد، نقيب الاقتصاديين الفلسطينيين وأستاذ الاقتصاد في الجامعة الإسلامية في غزة، حيث أكد أن هناك خلفيات سياسية إلى جانب الخلفيات الاقتصادية لموضوع غاز شرق المتوسط، في غزة كان هناك حديث قديم قبل 2000 حول غاز غزة، وكانت هناك اتفاقية مع شركة بريطانية لاستخراج الغاز، وتدخلت “إسرائيل” لعرقلة الاتفاق. وبسبب الحرب في أوكرانيا؛ أصبح هناك رغبة لدعم مسار استخراج الغاز من غزة بالتعاون مع مصر. وشدد على ضرورة توظيف عوائد استخراج الغاز في بحر قطاع غزة؛ لدعم اقتصاد القطاع المنهار بسبب الحصار والاعتداءات الإسرائيلية. ولفت النظر إلى أن عملية استخراج الغاز مرتبطة بمدى إقدام “إسرائيل” على العرقلة ووضع العقبات. وفي حال كان هناك استخراج للغاز فإن مصر ستكون الجهة التي ستتولى عملية الاستخراج والتسييل والتصدير.
ونبه المقداد أن هناك مشكلة في عدم وضوح الأدوار في ما يتعلق بالطرف الفلسطيني بسبب وجود الانقسام، وحذر من أنه إذا لم يحصل الجانب الفلسطيي على حقوقه لن يتم الاستخراج، كما أنه يجب إعطاء حصة من عائدات الاستخراج لدعم اقتصاد قطاع غزة؛ وبدون ذلك لن تقبل القوى المقاومة في غزة استكمال عملية الاستخراج في المستقبل. ودعا إلى إنشاء مؤسسة وطنية فلسطينية تضم الجميع تقوم على إدارة ملف الغاز ومراقبته والاستفادة من عوائده، وبذلك يكون هناك شفافية في التعاطي مع هذا الملف، ولا يبقى مجال للفساد والسرقة. وطالب المقداد السلطة الفلسطينية برفع دعوى لدى الأمم المتحدة لاسترجاع الحقوق الفلسطينية، وتعويضها عن سرقة “إسرائيل” للغاز الفلسطيني.
وفي مداخلة الدكتور وسيم قلعجية، الكاتب في الشؤون الاستراتيجية والخبير في غاز شرق المتوسط، رأى أن “إسرائيل” استغلت موضوع غاز شرق المتوسط من أجل ترسيخ وتوطيد علاقاتها مع قبرص اليونانية، ودولة اليونان. كما وجاءت تطورات الحرب في أوكرانيا لتعطي أهمية أكبر لغاز شرق المتوسط، وقد حاولت “إسرائيل” استغلال هذا الوضع، وتسويق نفسها أنها قادرة على سد وتعويض جانب مهم من حاجة الأوروبيين للغاز لتعويض توقف استيراد الغاز الروسي.
وأشار قلعجية إلى أن سبب فشل إنشاء خط غاز من شرق المتوسط إلى أوروبا يمر بقبرص واليونان، هو معارضة الجانب الأمريكي للمشروع؛ بسبب انعاكاساته على العلاقة بين الأطراف في منطقة المتوسط، تحديداً نشوء توتر في العلاقات بين تركيا من جهة وقبرص واليونان و”إسرائيل” من جهة أخرى، وبسبب عدم جدواه الاقتصادية وفق المنظور الأمريكي للمشروع.
ورأى قلعجية أن التحول في العلاقة بين “إسرائيل” وتركيا، جاء على مبدأ المصالح المشتركة؛ فقد سعت تركيا لتكون محطة لتصدير الغاز إلى أوروبا، في المقابل كانت المصلحة الإسرائيلية بتأمين تصديرها للغاز دون الدخول في صدام مع الجانب التركي والتعارض مع الرغبة الأمريكية. وأشار إلى دور قطر في القدرة على الدخول على خط الاستثمار في ملف الغاز سواء في لبنان أم في غزة؛ بسبب طبيعة علاقاتها مع كل من الجانب اللبناني والفلسطيني والإسرائيلي.
وكان هناك مداخلات مهمة من عدد من الخبراء والمختصين: أ.د. وليد عبد الحي، وأ.د. أنيس قاسم، ود. خالد فؤاد، وأ. جمال عيسى، ود. أمين حطيط، ود. علي البغدادي، ود. أحمد عبد الهادي، وأ. وائل سعد، ود. علاء الديك، وأ. محمد نصار، ود. بهاء الغول. وأهم النقاط التي جاءت في مداخلاتهم:
• المؤشرات تظهر ازدياد أهمية البحر المتوسط في المستقبل بالنسبة لأوروبا والصين والعالم.
• الغاز ستتزايد أهميته في السوق الدولي للطاقة، وستستمر أهميته في المستقبل المنظور.
• التنافس بين المرافئ الأوروبية والمتوسطية سيتصاعد.
• الصين ستكون مهتمة في موضوع غاز شرق المتوسط، وستعمل على التأثير والاستثمار فيه.
• التنافس التركي المصري حول الغاز ومحطات تسييله سيستمر.
• بالنسبة للأزمة الأوكرانية، فإن الأوروبيين لن ينجحو في استبدال الغاز الروسي حتى سنة 2027.
• الصراع العربي الاسرائيلي، سيستمر وسينعكس ذلك على استقرار منطقة البحر المتوسط.
• حجم الاحتياطات الدولية، والقدرة على التصدير ما زالت تصب في صالح روسيا.
• باستقراء مجموعة العناصر المؤثرة في المستقبل، فإن حالة عدم الاستقرار في منطقة شرق المتوسط مرتفعة وتصل إلى 63%؛ مما يحمل تصاعد فرص نشوء صراعات في المنطقة.
• “إسرائيل” هي أكثر المستفيدين (احتياطات ضخمة)، وهي تعمل على استغلال الوضع الحالي في تعظيم حجم المخزونات وقدرة الانتاج والتصدير.
• بالنسبة لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين “إسرائيل” ولبنان، فإن هذا الاتفاق لا ينطبق عليه ما ينطبق على الحدود البرية، وهو اتفاق لا يمس بالسيادة اللبنانية.