يفضل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع :«نحتاج إلى مزيد من النضال والاندفاع في أيام الأزمات، وخلافاً للأيام العادية التي تحتمل بعض التراخي، نحتاج الآن إلى عمل مضاعف للخروج من الأزمة».
يفضل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عادة بث أجواء التفاؤل وخفض منسوب التشاؤم، خلافاً للسائد في لبنان الذي يعيش واحدة من أصعب أزماته المالية، أضيف إليها مؤخراً فراغ في منصب رئيس الجمهورية، وتشكيك في شرعية حكومة تصريف الأعمال لإدارة البلاد في غياب الرئيس. يرى جعجع أننا «نحتاج إلى مزيد من النضال والاندفاع في أيام الأزمات، وخلافاً للأيام العادية التي تحتمل بعض التراخي، نحتاج الآن إلى عمل مضاعف للخروج من الأزمة». ويقول جعجع في حديث مع الصحافي ثائر عباس لـ«الشرق الأوسط» إن همّه حالياً ينقسم في اتجاهين، المعاناة الاجتماعية التي تضرب الفئات «الأضعف». ويقول: «مساعدة الأضعف في هذا المجتمع، بقدر ما نستطيع، لأننا لسنا دولة. لكن الناس تعاني بشدة». أما الأهم فهو تأمين انتخاب رئيس جديد «لأنه يمكن أن يكون المدخل الفعلي لبداية الإنقاذ». لكن جعجع يرى أن الانتخاب لمجرد ملء المنصب، ليس حلاً. ويؤكد أن «انتخاب رئيس لا يكون (جديداً) بمعنى المختلف عما حصل في السنوات الست الماضية (عهد العماد ميشال عون) معناه استمرار الوضع الحالي إلى ما لا نهاية. لهذا تركيزي الأساس هو على هذه النقطة وأضع كل جهدي من أجلها».
وفي ظل الأزمة القائمة، وغياب مؤسسات الدولة، ثمة من يرى «اتجاهاً نحو اللامركزية في المساعدات والأمن»، وهو أمر يعترف جعجع بوجوده «من الناحية الحياتية، لكن من الناحية الأمنية، فالأمر ليس صحيحاً»، معتبراً أن القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وغيرهما موجودة وتحاول القيام بدورها قدر ما تستطيع، لكنه مع هذا يسجل ملاحظات على أداء هذه القوى، قائلاً: «إني أرى أن نشاطها محدود أحياناً وفيه بعض الضعف. وأورد في هذا المجال حادثة قطع حبال مركز التزلج في الشمال، حيث تمت عملية منظمة تقف خلفها جهة منظمة وخبيرة، وبمعدات متطورة. لكن القوى الأمنية لم تصل إلى أي خيط حتى الآن وهو أمر مستغرب».
من الناحية المعيشية، يعطي جعجع مثلاً: «فلولا الجهد الذي بذلته (زوجته) النائب ستريدا جعجع، لما كانت آليات جرف الثلوج في بشري (شمالاً) قادرة على العمل بسبب نفاد مادة المازوت، ولا المستشفى الحكومي ولا المدارس. أما في دير الأحمر (شرقاً)، اتحاد البلديات يسعى لتأمين الطاقة الشمسية». ويخرج جعجع من الملف المعيشي ليعيد التصويب على السياسة: «أحياناً كل حي من أحياء لبنان يحاول أن يقوم بما يستطيع، وكل هذا بسبب عدم وجود فسحة أمل لدى اللبنانيين بإمكانية الإنقاذ. وانتخاب رئيس جديد من شأنه أن يعطي نفحة أمل ويعيد إنعاش الوضع ويطلق مسار المعالجات».
وبشكل واضح، يحمّل جعجع «حزب الله» وحلفاءه مسؤولية الأزمات التي تضرب البلاد، ولهذا لا يرى فائدة من التحاور معه. ويقول: «نحن نعتبر أن الطرف الآخر، وهو محور الممانعة، هو السبب فيما وصلنا إليه اليوم، وبالتالي لا يمكن أن نعالج الأمور على طريقة (داوني بالتي كانت هي الداء). لا نستطيع أن نتحاور مع من تسبب بالأزمة للخروج منها، عدا عن أن الممارسات اليومية لهذا الفريق لا تبشر بالخير. والدليل أنه منذ بدء الأزمة قبل نحو 3 سنوات، كان الفريق الآخر يمتلك الأكثرية في البرلمان والحكومة، فهل قام بشيء واحد لمعالجة الأزمة؟ وهل أوقف الممارسات الشائنة التي كان يقوم بها؟ الجواب في الحالتين كلا. الرئيس ميقاتي كان لديه تفكير معين كان يمكن أن يخفف من أزمة الكهرباء، لكن الفريق الآخر منعه من هذا». ويسأل: «علام سنتحاور مع هذا الفريق؟ الحوار هو أن يجلب رئيساً يكون له النصف فيه، وهذا يعني (العوض بسلامتك) وبالتالي ستفشل عملية الإنقاذ».
وعن الأمل بانتخاب رئيس؟ يجزم جعجع أن «الأفق غير مسدود، لأن هناك 15 نائباً يضعون أنفسهم في الوسط، بعضهم يصوت لأسماء لا أمل لديها بالوصول إلى الرئاسة، أو بشعارات معينة أو ورقة بيضاء. في المقابل، نحن كفريق معارض، نقول علناً إننا نريد رئيساً يستطيع أن يطلق عملية الإنقاذ ويساهم بها، لا مجرد رئيس نتفاهم عليه على طريقة (تبويس اللحى). نحن لا نريد مجرد رئيس نضعه في المنصب، بل نريد رئيساً يساهم في عملية الإنقاذ المطلوبة. الأمل أن يدرك هؤلاء ضرورة القيام بشيء ما. نحن لسنا متمسكين بمرشحنا ولا الأستاذ ميشال معوض متمسك بترشيحه، إذا كان ثمة بديل مقنع يوازيه في الصفات المطلوبة ويستطيع أن ينال أصواتاً أكثر».
وعن قضية تأييد «القوات» لنصاب الثلثين لعقد جلسة انتخاب الرئيس واختلافه مع كلام البطريرك بشارة الراعي الأحد الماضي الذي دعا فيه لاعتماد النصاب العادي في جلسات الانتخاب اللاحقة، يؤكد جعجع عدم وجود خلاف مع البطريرك في هذا المجال لأنه «لا موقف نهائياً لنا في هذا الموضوع». ويقول: «أخذوا على النائب جورج عدوان قوله في إحدى الجلسات ما معناه أنه يجب أن نذهب الآن إلى الانتخابات وفقاً لهذا النصاب، طالما أن البعض يتمسك به. إن هذه القضية مطروحة في الوقت الخاطئ. بماذا يفيد طرحها الآن؟ الحل هو في عقد جلسة لمجلس النواب لتفسير الدستور، وهذا غير ممكن حالياً، لأن رئيس المجلس وقوى أخرى تقترب من نصف الأعضاء تتبنى هذا النصاب، وبالتالي من غير الممكن الوصول إلى نتيجة، فيما الأجدر بنا أن نذهب فوراً لانتخاب رئيس جديد للبلاد».
ويشير جعجع إلى أنه «قبل دخول محور الممانعة إلى السلطة في لبنان، لم تكن هذه القضية مطروحة. لقد تم اختراع هذا الموضوع من أجل التعطيل، لا من أجل الحل. في السابق كان هناك كتل تحترم نفسها وناخبيها، وتذهب إلى البرلمان لانتخاب رئيس جديد للجمهورية حتى لو لم تكن لديها الأغلبية التي تحتاجها. ولهذا فاز عام 1970 الرئيس سليمان فرنجية بفارق صوت واحد على منافسه. الحل الوحيد هو أن يكون لدى النواب ما يكفي من الكرامة والشرف للذهاب إلى البرلمان والانتخاب. خروج نائب من الجلسة مفهوم، وخروج كتلة أحياناً مفهوم إذا كان لسبب ما، لكن أن يتم تعطيل الانتخابات في كل مرة لا يكون لمرشحهم الحظ فيها، فهذا أمر معيب. نحن من جهتنا قد نقوم بذلك لمرة واحدة أو لمرتين أو أكثر من أجل أن نحاول تغيير بعض المواقف في حال حصل مرشحهم على ما يكفيه من الأصوات، لكننا لن نمتنع عن الحضور دائماً كما يفعلون عن سابق تصور وتصميم لإخضاع الآخرين».
وهنا يسجل جعجع «عتباً كبيراً على الرئيس نبيه بري، لأنه هو من يفترض به السهر على انتظام العمل في المؤسسة الدستورية الوحيدة التي ما تزال فاعلة، وبالتالي كان عليه أن يدعو رؤساء الكتل التي تتغيب ويطلب منها الحضور ودعم مرشحها؛ إذ يجب أن يكونوا حاضرين في جلسة انتخاب رئيس».
ويقول: «الفريق الذي يعطل الجلسات هو فريق الممانعة، وهذا ليس بانتظار تسوية دولية. (حزب الله) كان يريد من الجلسة الأولى انتخاب النائب السابق سليمان فرنجية رئيساً، لكنه لم يستطع أن يستجمع قواه لدعم ترشيحه، فقرر أن يعطل بانتظار أن يلين موقف النائب جبران باسيل بانتخاب فرنجية، وهذا صعب جداً برأيي. كما يحاولون أن يجمعوا أصواتاً إضافية للتصويت لمرشحهم». ويسأل: «ما هو المنطق فيما يطرحه الحزب، من أنه في غياب التوافق لا ضرورة لحضور الجلسات؟. من يرد التوافق، فعليه أن يتكلم مع الأطراف الأخرى ويطرح مرشحه ومواصفاته. التوافق الذي يريدونه هو أن نلتف حول مرشح (حزب الله) وهذا مستحيل بالنسبة لنا، وجنون من قبلهم».
في الختام، يعود جعجع للتأكيد على أن «الأمل الوحيد حتى إشعار آخر هو بالنواب الـ65 من غير محور الممانعة»، لكنه لا يتوانى عن إبداء أسفه كون «بعض النواب خيبوا الأمل بوقوفهم في الوسط». ويجزم بأن «التفاهم مع (حزب الله) والتيار الوطني الحر مستحيل، فنحن شهدنا ممارساتهم، ونعرف حقيقتهم. حتى بعد أن انهار البلد، ما يزالون على مواقفهم وممارساتهم القديمة التي لا يمكن أن تنتج حلولاً للأزمات. لم يأخذوا أي عِبر مما حصل. أنا لا أنتظر أي شيء من الفريق الآخر، لكني سأنتظر من بقية النواب من غير فريق الممانعة.
ونحن نعمل كل يوم وكل ساعة وبجهد كبير لإقناع نائب من هنا ونائب من هناك، لكن للأسف كأننا نحفر الجبل بإبرة». ويقول: «الحزب عنده مشروع كبير متجذر في الدين والتاريخ والجغرافيا، وبالتالي يريد الحوار لفرض شروطه. ولهذا نحن لن نتحاور معهم، لأن الحوار معهم مضيعة للوقت، في وقت لا يمكننا أن نهدر فيه دقيقة واحدة».