ملاحظات للمناسبة الخاصة رفيعة المستوى اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
أشكر باكستان ومنظمة التعاون الإسلامي على ما قامت به من تركيز للاهتمام على القضاء على السمّ الذي تمثله كراهية الإسلام، وعلى ما وجّهته من دعوات للعمل على تحقيق هذه الغاية.
إن مسلمي العالم الذين يبلغ عددهم زهاء ملياريْ نسمة هم تجسيد للإنسانية بكل تنوّعها الرائع.
وهم ينحدرون من كل ركن من أركان المعمورة. فمنهم العرب والأفارقة، ومنهم الأوروبيون والأمريكيون والآسيويون.
ولكنهم يواجهون في كثير من الأحيان تعصّبا وتحيزا لا لسبب سوى عقيدتهم.
وتتخذ هذه الكراهية تجاه المسلمين أشكالا عديدة.
فهناك التمييز الهيكلي والمؤسسي.
وهو تمييز يتجلّى في الاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي، وسياسات الهجرة التمييزية، وإجراءات المراقبة والتنميط غير المبرّرة.
وهو يكشف عن نفسه في وصمٍ ”بالجُمْلة“ للمجتمعات المسلمة بأسرها.
وتعززه تمثيلات إعلامية منحازة – وبشكل مشين – تبنّي بعض القادة السياسيين خطابا وسياسات معادية للمسلمين.
وإلى ما هو أبعد من الإسلاموفوبيا الهيكلية، يتعرّض المسلمون كأشخاص للهجوم ولخطاب الكراهية والقولبة النمطية.
وقد يكون كثير من هذه الأعمال النابعة من التعصب والارتياب غير ظاهر في الإحصاءات الرسمية – ولكن هذه الأعمال تنال من كرامة البشر ومن إنسانيتنا المشتركة.
وهناك صلات لا تخفى على أحد تربط بين كراهية الإسلام والتفرقة الجنسانية. فنحن نرى بعض أسوأ الآثار في التمييز الثلاثي الذي تتعرض له النساء المسلمات بسبب نوعهن الاجتماعي وانتمائهن الإثني وعقيدتهن.
وليست الكراهية المتنامية التي يواجهها المسلمون حدثا منعزلا.
بل إنها جزء أصيل من عودة القومية الإثنية للظهور وأيديولوجيات النازيين الجدد الذين يتشدّقون بتفوق العرق الأبيض، والعنف الذي يستهدف الشرائح السكانية الأضعف، بمن في ذلك المسلمون واليهود وبعض مجتمعات الأقلية المسيحية وغير ذلك.
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
إن في التمييز انتقاصاً منّا جميعا. وإنه لزام علينا جميعا أن نهبّ لمواجهته. فلا يجب أبدا أن نقف متفرجين على التعصب.
ويجب أن نعزّز دفاعاتنا.
وهذا يعني ممارسة الضغط في اتجاه وضع سياسات تحترم حقوق الإنسان احتراما كاملا وتحمي الهويات الدينية والثقافية، ولا سيما بالنسبة للأقليات.
وتقدم خطتنا المعنونة خطة عمل الأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية توصيات ملموسة لدعم الحكومات بحيث يكون باستطاعة كل إنسان التمتع بحقه في ممارسة شعائر دينه بأمان.
ويجب أن نعترف بالتنوع لا كتهديد بل كمصدر ثراء لمجتمعاتنا.
وهذا يعني تكثيف الاستثمار في التماسك الاجتماعي والحرص على أن يشمل ذلك استثمارات سياسية وثقافية واقتصادية.
ويجب أن نواجه التعصب أينما ومتى أطل علينا بوجهه القبيح.
وهذا يشمل العمل على التصدي للكراهية التي تنتشر عبر الإنترنت كالنار في الهشيم.
ولهذا السبب دعوت الحكومات والهيئات التنظيمية وشركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام إلى وضع التدابير الواقية وإنفاذها.
وقد أطلقنا استراتيجية الأمم المتحدة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية لكي توفر إطارا لما نقدمه من دعم للدول الأعضاء في مواجهة هذه الآفة، مع الحرص في الوقت ذاته على احترام حرية التعبير والرأي.
وفي إطار خطتنا المشتركة، نعمل على إبرام الاتفاق الرقمي العالمي من أجل مستقبل رقمي مفتوح وحر وشامل وآمن للجميع، يرتكز إلى أساس متين قوامه حقوق الإنسان وعدم التمييز.
ونحن ندفع في اتجاه وضع مدونة لقواعد السلوك لتعزيز النزاهة في الإعلام – بحيث يكون باستطاعة الناس الاختيار على أساس الحقيقة لا الخيال؛ وعلى أساس التعلُّم لا الجهل.
سأنظر باهتمام في الاقتراحات الجديدة التي قدمها معالي وزير خارجية باكستان اليوم.
وإنني ممتنٌّ للزعماء الدينيين في مختلف أرجاء العالم الذين يتكاتفون لتشجيع الحوار والوئام بين الأديان.
وإن إعلان ”الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك“ – الذي صدر عن قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر – لنموذجٌ للتعاطف والتضامن الإنساني.
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
نحن على بُعد أيام فقط من بداية شهر رمضان.
ومنذ ألف وبضع مئات من السنوات ورسالة السلام والتعاطف والتراحم التي جاء بها الإسلام تشكل إلهاما للناس حول العالم.
وكلمة إسلام ذاتها مشتقة من الجذر نفسه لكلمة سلام.
وعندما كنت أشغل منصب مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، رأيت سخاء الدول الإسلامية التي فتحت أبوابها للأشخاص الذين أُجبروا على الفرار من ديارهم، في وقت أغلقت فيه دول أخرى كثيرة حدودها.
رأيت تجلّيا معاصرا لما جاء به القرآن الكريم في سورة التوبة:
”وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ“.
فهذه الحماية تُكفل للمؤمنين وغير المؤمنين على السواء، مرة أخرى كما ذكر في القرآن الكريم.
وهذا تعبير مبهر عن مبدأ حماية اللاجئين قبل قرون من إبرام اتفاقية عام 1951 للاجئين.
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
كل الأديان والأعراف العظيمة تنادي بحتمية التسامح والاحترام والتفاهم.
وفي الجوهر، نحن بصدد قيم عالمية: فهذه القيم هي روح ميثاق الأمم المتحدة، وهي في صميم سعينا لإعمال العدل وحقوق الإنسان وإحلال السلام.
فلنواصل السعي لإعمال هذه القيم وحماية القدسية والكرامة المكفولة لكل حياة بشرية.
ولنتصدى لقوى الانقسام بأن نعيد تأكيد إنسانيتنا المشتركة.
ولنقف دائما متضامنين مع إخواننا المسلمين وأخواتنا المسلمات.
شكرا لكم.